عاجل نيوز
عاجل نيوز

د . عمار نايل | البكاء على الفوارس عار ولكن | رثاء شهيد معركة الكرامة | شولة احمد الضو شولة

عاجل نيوز

 

 

 

 

 

 

 

 

خَطْبٌ تَداعَتْ له شُمُّ الرَّعانِ

وتَلَفَّحَتْ بيضُها بثَوْبِ الغَرابِيبِ

اِندَكَّ صَرْحُ المَعالي وَاِنطَفَى قَبَسٌ

يَحْدُو إليهِ ذَوُو الحاجِ المَكارِيبِ

 

 

 

 

نَعَى النُّعاةُ كَبيرَ القَومِ سيِّدَهُمُ

وابنَ السّراةِ البَهاليلِ اليَعاسِيبِ

وناحرَ القومِ للقومِ واهبَها

 

 

 

 

وراكبَ الضُّمَرِ الجُرْدِ السَّرادِيبِ

لو كانَ يُفدَى الموتُ يا شولة

فَدَتْكَ القبيلةُ شُبّانٌ مع الشِّيبِ

 

 

 

 

رَسولَ اللهِ أَدْمَتْنا الجِراحُ

وأوغَلَتْ فينا الرِّماحُ،

 

 

 

 

غُرَباءُ نمشي في دُروبِ الناسِ

لا زادَ لدينا ولا سِلاحَ، غُرَباءُ

والأخيارُ يَنتَقِلونَ ما جاءَ الصَّباحُ،

 

 

 

 

رُفِعَ النِّداءَ واصطَفَّ الآفُ الرِّجالِ

من خَلفِهم وقَفَت ذَرَافاتُ النِّساءِ

الكُلُّ كَبَّرَ ثُمَّ هَلَّلَ ثُمَّ أَدهَشَ بالبُكاءِ

 

 

 

 

عَجِبتُ لأرضِ تَمبُولَ كيفَ لها أن تَحْوي كلَّ هذهِ القِيَمِ الإنسانيةِ النبيلةِ في طَيّاتِها، لكِنْ عَذَرْتُها في أنَّها رَفَعَتِ الكُلْفَةَ والتَّكَلُّفَ لحَدٍّ عَلِمْت أنَّه لا يُمكِنُ أنْ يَتَّسِعَ لكُلِّ المَكرُماتِ،

 

 

 

فالنُّبْلُ شِعارُهُ والسَّمْتُ يَتَزَيَّنُ بِهِ، والصَّمتُ والتَّأمُّلُ يُتَوِّجانِ وَقارَهُ، والوَضاءَةُ مَحياهُ، ولِينُ القَولِ سَجاياهُ، وعَسَلُ الكَلامِ بينَ ثَناياهُ، واللُّطفُ تَشَبَّعَ من خَلاياهُ، والذَّوقُ الرَّفيعُ بادٍ على مَحياهُ.

 

 

 

 

تَشُدُّني الشَّخصياتُ التي تَجمَعُ رُقيَّ الحَضَرِ وأصالةَ البادِيةِ، فكانَ شُولةُ مِثالَها، البادِيَةُ في شُمُوخِ جِبالِها، وعِزَّةِ تُرابِها، ونَفاسةِ تِبرِها، وجَمالِ ذَهَبِها، وخُضرةِ سُنْدُسِها، وعِطرِ رَيحانِها،

 

 

 

 

وجودِ سَوارِيها، ولمعانِ بُروقِها، وفي القُوَّةِ زَمْجَرةِ رَعدِها وسِياطِ أمطارِها. كلُّ هذا يجتمعُ في شخصٍ واحدٍ، لَعَمْري الجمعُ بينَ المتناقضاتِ صعبٌ جدًا، ولكنْ في شُولةَ واقعٌ ملموسٌ.

 

 

 

ففي جانبِ الحَضَرِ، فهو ابنُ قاعاتِ الدِّراسةِ ونَحريرُ العِلمِ ونِبراسُ الدِّقَّةِ، ورَحلَ بشَهادةٍ ما كانَ أنْ يَموتَ بغيرِها، فأمثالُ شُولةَ يُكتَبُ لهم اللهُ الموتَ الذي يَستحقُّونَ،

 

 

 

 

كَيفَ يموتُ بالغُدَّةِ ضارِبُ أعناقِ الرِّجالِ كَيفَ يَموتُ بالحُمَّى مَن يَجعَلُ الأرضَ حَميمًا وبُركانًا تحتَ أقدامِ الأعداءِ كَيفَ يَموتُ بالدُّودِ مَن جَعَلَ أعداءَهُ مَرَاتِعًا للدُّودِ فأمثالُ شُولةَ يموتونَ بهذهِ الميتةِ، فكما يُقالُ في الدارِجِ السودانيِّ:

 

 

 

 

 

ما دايرالك الميتة ام رمادا شَحَّ

دايراكَ يومَ لِقاء في دَمِيكَ تتوشَّحَ

الميت مَسُولَبٌ والعجاج اكتَحَّ

وين يا شُولة سيفكَ يَسْوي التَّحَّ

 

 

 

 

 

لابدَّ أنْ تَصعَدَ هذهِ الأرواحُ لِما تُشبِهُها من أرواحِ الملائكةِ. بَكَتْكَ أرضُ البِطانة وحَتْمًا ستَبْكِيكَ السَّماءُ، بَكاكَ كلُّ مَن عَرَفَكَ وسَمِعَ عنكَ؛

 

 

 

 

لأنَّكَ ممَّن يُعرَفُ بالنَّظْرَةِ لا بالمُعاشَرةِ، فمن لا يُرشدك لحظُه لن يُرشدك لفظُه فأنت تُرشد باللحظ لأنك من أهل الصلاح وأهلِ التقى والنُّقِي والدين وأهلُ الفِطنةِ والفراسةِ يَعرِفونَ الرجالَ والخُلُقَ القَويمَ والوَجهَ الوَضّئ قبلَ المُعاشَرةِ، فأنتَ فارسُها.

 

 

 

سيبكِنكَ سُيوفُ أبواتِكَ القَطّاعُ

وابكيكَ أبْ عليَّ الصد الهمَج ما طاع

ونُورٌ مِن نُورِ كَواكِبِكَ كُلُّهُنَّ سَطّاعٌ.

 

 

 

ستَبكِيكَ البِطانَةُ سَهْلًا وواديًا، فأنتَ ابنُها الذي أَحَبَّتْ وفارسُها الذي أَنْجَبَتْ وسَفيرُها في قِيَمِها وإنسانِيَّتِها، فمَن عَرَفَكَ يَعرِفُ أنَّكَ ابنُ الأصولِ، ابنُ الفَوارِسِ، ابنُ الكِرامِ.

 

 

 

 

فهلْ يَظُنُّ أعداؤكَ أنَّهُم قَتَلوا شَخصَكَ؟ لا والله، فهُم قَتَلوا جَبَلَ المكرماتِ وعشَّا البايتاتِ ومُقنِعَ الكاشِفاتِ، لكنْ سيكونُ دَمُكَ وإخوانُكَ الفَوارِس

 

 

 

والضِّرْغامُ أحمد شاع الدين مَهْرًا لتَطهيرِ الأرضِ وإلهامًا لِدَحرِ الغُزاةِ الذينَ لم يَعرِفوا أنْ يَختاروا أعداءَهم، فما قتلوك ولكنْ قتلوا المروءةَ التي فيك، فبعدَكَ وجَدَتِ المروءةُ وهي تَبكي، فقلتُ: على ما تَنتحب الفتاة؟

 

 

 

 

فقالت: كيفَ لا أبكي وأهلي جُلُّهُم

في خَلقِ اللهِ قد ماتوا.

ولكنْ إن شاء اللهُ ستبقى الذكرى ويبقى من بعدكَ رجالٌ يَستلهمونها.

 

 

 

رَحلْتُم مُنافِحينَ عن الأرضِ التي رَوَاهَا أجدادُكُم، وعن الأطفالِ الرُّضَّعِ، وعن الشيوخِ الركعِ وعن الحَرائرِ، وهلْ هناكَ أجملُ وأجلُّ من ذلك؟

 

 

 

 

فالحَربُ صَبرٌ، واللِّقاءُ ثَباتٌ، والموتُ في شَأنِ الإلهِ حياةٌ، فأنتم أحياءٌ بينَنا هذا كلامُ الله فإذَا هُنالكَ موتى في حياتِهم، أُقسِمُ باللهِ أنَّكُم بباطنِ الأرضِ أحياءٌ.

 

 

 

 

أنْ يَموتَ شبابُنا عن أعراضِنا لَعَمْري إنَّها مَفْخَرَةٌ، أنْ تتوحَّدَ الأفئِدَةُ هذا فَضْلُ اللهِ علينا، فكلُّ شبابِ الأهلِ والقبيلةِ سَطَّرْتُم مَلْحَمَةً جديدةً في سِفْرِ التَّاريخِ كُنَّا شاهِدِينَ عليها شُمُوخًا وشَجاعَةً، حَطَّمْتُم غُرورَ الأوغادِ.

 

 

 

واللهِ لَولا الالتفافُ والفَزَعُ، فإنَّهُم انْقَرَضُوا عن بَكْرَةِ أبيهم. فالحربُ كَرٌّ وفَرٌّ، فالجُثَثُ بتَمبُولَ لمْ يَشْهَدُوا لها مَثيلًا رغمَ قَطْعِهم آلافَ الكيلومتراتِ لعدُوٍّ مُرْتَكَزٍ، لكنْ واحِدُنا يَزِنُ في الأوغادِ ألفًا.

 

 

 

فلمَّا فَلَمْ نُقاتِلْهُم بمُرْتَزِقَةٍ كما فَعَلُوا، قاتَلْنَاهُم بعُمَدِ الجَبورابِ والبَلَعْلابِ، والقائِمَةُ تَطُولُ بالشَّبابِ الغَضِّ زهْرِ الوُجوهِ يومَ الهياجِ صُخُورٌ بالصَّوارِمِ البَشَرِيَّةِ بأبناءِ العِزِّ،

 

 

 

 

ولكنْ كُلُّ بدايةِ مَشْروعٍ تَبْدَأُ بِفَلَذاتِ أكبادِها مِن لَدُنْ حَمْزَةَ ومُصْعَبِ بنِ عُمَيرٍ فهذه البدايةُ وسنعلِمُكُم بالنِّهايةِ بإذنِ اللهِ.

 

 

 

بَدَأتُ العنوانَ بعدَمِ التَّبَاكِي، ولكنْ سَنَبْكِيكَ، فكما قالَ الفرجوني ينعي حَسَّان:

 

 

 

يبكيك الكرم وأيضًا فعايل السَّمْتَة

ابكنكْ هَمايلًا بِي لُزُومْهِنْ قُمْتْ

ما قَفَلْتَ بابَكْ مِنْ مجاورَكْ ونمْتْ

 

 

 

 

شِلْتَ الشِّيلْ مطبق لي العَشيرْ ما لمت

بَطَل الهيفْ خيرْ أوقاتْ ونايلْ الهيفْ

زايلة وهلا هلا حليلُو النَّبيهَةُ صِفاتُو

حليلُو البعيشْ مَرْمي القَبيلةِ شتَاتُو

 

 

 

 

أنتم عندَنا الصَّفْوَةُ والخِيريَّةُ وعالِي المَقامِ، ولكنْ قَسَمًا سنُذِيقُهُم جُرحًا بجُرحٍ، ودمًا بدمٍ، والحربُ جَولاتٌ ولَنا عَوْدَة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.