عطاف محمد مختار رئيس تحرير السوداني | خلافاتٌ كبيرة تضرب مليشيا الدعم السريع عقب مصرع البيشي.. وجناح عبد الرحيم وحسبو يحكم قبضته! (2)
عاجل نيوز
وأوضح قادة المليشيا؛ أن عبد الرحيم دقلو كان هو صاحب الفضل في تأسيس شركات آل دقلو قبل ثورة ديسمبر والمشرف على مناجم الذهب التي تتبع لهم، إلا أن مشاكله المتواصلة مع العديد من أبناء جلدته من مديري الشركات والمستشارين الأجانب والسياسيين ونافذين في الدولة، دفعت حميدتي لتحجيم نفوذه وسلطته المالية والسياسية داخل مليشيا الدعم السريع، فأوكل الشأن السياسي لصديق طفولته وقريبه يوسف عزت الماهري – الذي له تاريخ في العمل السياسي وعلاقات ممتدة داخل وخارج السودان، وأكمل دراسته التعليمية في كندا ويحمل جنسيتها. بينما دفع عبء الإدارة المالية لشقيقه الأصغر القوني دقلو؛ الذي درس في ماليزيا وأعده خصيصاً لهذا الأمر.
وقالت مصادر (السوداني)، إنّ حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية السابق، والمطرود من منصب نائب الأمين العام للحركة الإسلامية – من إثنية آل دقلو – يعد العقل المفكر لعبد الرحيم دقلو وبمثابة الأب الروحي له. ومع إختفاء حميدتي الأخير عن المشهد، وضعف متابعته الميدانية للشأن السياسي والمدني، نجح حسبو في إبعاد يوسف عزت عن المشهد، وأصبح الآن هو صاحب القرار الأول في الشأن السياسي والمدني للمليشيا، وهو الذي يمسك ملف العلاقات الخارجية في أفريقيا؛ حيث وظف شبكة علاقاته الواسعة – التي اكتسبها بحكم منصبه الدستوري والسياسي السابق – في تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى وليبيا والكاميرون ومالي، من حشد المقاتلين من أبناء القبائل العربية في تلك البلاد والمرتزقة، وجنّدهم للقتال في صفوف المليشيا في الحرب التي تدور منذ 15 أبريل 2023.
على صعيد متصل، اندلعت حرب جديدة من نوع آخر داخل صفوف الدعم السريع، وهي حرب النفوذ والسيطرة على الأرض، وتدور رحاها بين كتائب القبائل المختلفة، حيث تعمل أي كتيبة قبلية تحت إمرة قائدها القبلي. وشهدت الأيام الماضية، الخلاف الحاد بين القائد الميداني (جلحة) – من أبناء المسيرية – الذي قدم بقواته من ليبيا حيث كانت تقاتل كمرتزقة فيها، وأبناء الرزيقات داخل صفوف المليشيا، حيث يشنون عليه حملة داخل وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل الكتيبة الإعلامية والذباب الإلكتروني، وقالوا انه مجرد جُندي لا يخوض أي معارك ميدانية، ووصفوه بالناشط على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال فيديوهاته المثيرة للجدل التي يبثها، ما جعل (جلحة) وكتيبته من أبناء قبيلته، إطلاق التهديد والوعيد لهم بالانشقاق، وطالبهم بمواجهته في الميدان.
وقال جلحة: (أنا ما دعم سريع، أنا قوات التدخل السريع، وأسألوا عني الجنرال حميدتي، وتعالوا لي في الميدان). في وقت بثّت كتيبته فيديوهات تقول إنّهم لن يرضوا أي كلمة في قائدهم الذي يصطف من خلفه مئات الآلاف من الجنود الذين يأتمرون بأمره.
هذه الصراعات الطاحنة في آل دقلو والمليشيات القبلية المتحالفة معها، تؤكد أُفُولُ حلم دولة الجنجويد؛ التي تحمل بذرة الفناء داخل رحمها، فهم لا يرحمون البشر، ولا حتى الشجر، يبطشون ويسفكون الدماء، ويسبون النساء، وينهبون أموال الناس والأسواق والبنوك ويدمرون مؤسسات الدولة والبنى التحتية.
وكما قال ابن خلدون في مقدمته: “الظلم مؤذن بخراب العمران – وكانه يصف جنجويد آل دقلو – ينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته، فيصيرون عالة على الدولة، ويفقدون العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة … بل إنهم مع هذا يحاولون إظهار القوة من خلال احتكار السلاح والجيش، وذلك لقمع الناس إذا أرادوا الثورة ومواجهة استئثار هذه النخبة الحاكمة للسلطة والثروة … يلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحُسن الثقافة، يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النساء على ظهورها … فذلك المستبد سرعان ما يبدأ في جدع أنوف عشيرته وذوي قُرباه المقاسِمين له في اسم الملك، فيستبد في جدع أنوفهم أكثر مِن سواهم لمكانهم من الملك والعز والغلب، فإذا تخلص الحاكم من أعوانه المقربين لم يشعر بالأمن بل على العكس، سرعان ما ينتابه القلق والخوف على مستقبل حكمه، واستمرار عرشه، ولا يجد أمام هذه المعضلة إلا قطع رؤوس مخالفيه، والحط من مكانتهم، والاستهزاء بهم، وإقصائهم بكل وسيلة ليبقى وحده دون منازع”.
ويضيف ابن خلدون: “فإذا جاء المطالب لهم – أي إذا قامت الثورة عليهم – لم يُقاوموا مدافعته، فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة، ويستكثر من الموالي (القوى الخارجية)، ويصطنع من يُغني عن أهل الدولة بعض الغناء، حتى يتأذن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت”.