عاجل نيوز
يُحكى أنَّ مهندساً زراعياً يعمل في إحدى قرى صعيد مصر، كان عائداً بالقطار إلى القاهرة في رحلة تستغرق ساعات،
وكان بجواره فلاح مُسن يضع تحت رجليه كيساً كبيراً، لاحظ المهندس أنَّ الفلاح طوال الرحلة يقوم بهز وتقليب الكيس كل ربع ساعة تقريباً، تعجّب المهندس من ذلك،
ودفعه حب الاستطلاع أن يسأل الفلاح في نهاية الرحلة عما بداخل الكيس وسبب هزه وتقليبه، فردّ عليه الفلاح أنَّ بداخل الكيس فئران اصطادها من الحقول،
وأنّه ذاهب للقاهرة لبيعها لأحد مراكز الأبحاث، وعن سبب هزها وتقلبيها أضاف “شوف يا بني لو تركتهم ربع ساعة راكزين حيرتاحوا، وكل واحد هيحفظ مكانو ويأمن ويستأنس،
فينسى صحابو اللي حواليه، وهيبتدي يقضم ويُخرم الشوال اللي همَّ فيه، وأفضل كدة لغاية ما أوصل بسلام”. (منقول)
صناعة الملهاة تقوم على أساس إلهاء الشعب عن إنجاز هدفه الوطني والمطالبة بحقوقه الأساسية، وهي سياسة استعمارية واستبدادية يمارسها المحتلون والمستبدون،
تنبّه إليها الفيلسوف الأمريكي المناهض للإمبريالية والصهيونية نعوم تشومسكي في كتابه (أسلحة صامتة لحروب هادئة)،
فذكر عشر استراتيجيات للتحكم في الشعوب، أولها استراتيجية (الإلهاء)، وجوهرها إلهاء الشعوب عن أهدافها الحقيقية بعشرات الأُلهيات الجزئية التي تبقيه مشغولاً باستمرار،
دون أن يكون له أي وقت للتفكير والعمل في قضيته الأساسية، ويقول: “اجعل الشعب منشغلاً منشغلاً منشغلاً، دون أن يكون له وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقية الحيوانات”. (منقول)
صناعة الأُلهية ذكرها فيلسوف الثورة الإيرانية علي شريعتي في كتابه (النباهة والاستحمار) عندما فسّر معنى الاستحمار بتزييف وعي الشعوب لحرمانها من حقوقها،
وبتجديده اتجاهين للاستحمار هما : التجهيل والإلهاء، والتجهيل يعني “تحريك الأذهان إلى الجهل والغفلة، أو سوق الأذهان إلى الضلال والانحراف”،
والإلهاء يعني “إلهاء الأذهان بالحقوق الجزئية البسيطة اللا فورية، لتنشغل عن المطالبة أو التفكير بالحقوق الأساسية والحياتية الكبيرة الفورية”،
ويُفسّر ذلك بقوله: “إنّه لمن سوء الحظ أن لا تدرك ما يُراد بنا، فيصرفوننا عما ينبغي أن نفكر فيه، من مصير مجتمعنا، أو أفكر فيه أنا مع مصيري كإنسان،
إلى أن نفكر في أشياء تحسبها راقية جداً وعظيمة ومشرفة، فيصيبون الهدف دون أن نشعر”. (منقول).
مشروع الإمبريالية فى السودان وسياسة إضعاف السودان والتخطيط لإسناد الحكم فيه الي جماعة بدوية متخلفة تأتمر بأمر سيدها الخارجي
أو تقسيمة الي دويلات ضعيفة يتم التحكم فيها خارجيا لإستغلال موارده وثرواته العديدة, جزء من مشروع كبير عالمي يتم فيه توزيع الثروة والقوة
وإعادة إنتاج عالم جديد ويتم التخطيط له منذ زمن بعيد مستخدماً فيه القوة الناعمة أولا أعقبها القوة الخشنة وهو ما يجري الآن ,
ويمرالمخطط بمراحل عديدة أولها إدخال السودان فى دوامة الفشل المستمر بإضعاف الحكومة والحصار الإقتصادي الذي تم وساعدتهم فيه حكومة الإنقاذ بعلمها أو بجهلها,
إنهيار حكومة الإنقاذ كان بداية المرحلة الثانية بإستخدام القوة الخشنة التي تم إعدادها جيدأ فى أواخر حكومة الإنقاذ. كل الدول الإمبريالية من المعسكرين كانت مستفيدة من هذا المشروع
وحتي دول الجوار وُعدت بقطع شهية من الكيكة ما عدا تشاد التي فضلت أن تأخذ نصيبها كاش ومقدماً.
هل السبب فيما يحدث فى السودان هو المؤتمر الوطني؟ هل الجنجويد؟ هل تقدم أو قحط؟ هل الجيش؟ هل الإتفاق الإطارى؟ .
أكيد الإجابة (لا) لكنهم جميعاً جزء من ورق اللعبة فى يد الإمبريالية العالمية لتحقيق هدفها الرئيسي وهو الإستيلاء على السودان ومقدراته,
وتم إستخدامهم (ولا يزالوا) لإهاء الشعب السوداني عن النظر الى المشكلة الحقيقة بأن عمدوا على توجيه الفكر السوداني فى أنفاق ضيقة وتصوير أن المشكلة هي بين جنرالين تارة,
وبين الدعم السريع والجيش تارة, وبين الكيزان ومحاولتهم للرجوع للسلطة تارة, وحرب خارجية ضد الإرهاب (إرهاب الكيزان) تارة,
وحرب من أجل الحرية والديمقراطية والحكومة المدينة تارة (تدعمها دول لا تعترف بالديمقراطية والحرية في بلدانها),
وحرب من أجل المهمشين تارة, وأخيرة حرب ضد الشريط النيلي ودولة 56. في حين أن أغلب الدوائر العالمية أصبحت على علم تام بتفاصيل المخطط على السودان نجد أن أغلب السودانيين وقعوا ضحية لإستراتيجية الإلهاء.
إذا كان عدوك يستخدم الإستراتيجية معك ورؤيته واضحة ويستخدم تكتيك الإلهاء معك فلا بد وإن تجابه ذلك بإستراتيجية واضحة مضادة بأوليات واضحة وشفافة للجميع
بها توجه كل طاقة الشعب نحو منع العدو من تحقيق هدفه الأساسي وإن لم تفعل فسوف تقع فى شرك التعامل مع الإلهاء (وهذا ما يريده العدو) وتترك العدو يفعل ما يريد.
مشكلة السودان الحالية ملحة وتتطلب تأجيل كل المشاكل الأخرى الي حين,
هي مشكلة وجود بكل معني الكلمة مشكلة غزو خارجي مدعوم من دول الإستعمار الكبرى للأستيلاء على مقدرات السودان بكل الوسائل الممكنة
التي قد تصل الى إبادة كل الشعب أو تهجيره قسريا خارج البلاد (وهذا حدث ويحدث يومياً) وكل المشاكل الأخري التي تبدو أعلي جبل الجليد هي وسائل إلهاء وسوف يتم التعامل معها بعد نهاية المشكلة الرئيسية.
من تجارب الشعوب الأخري على مر العصور فإن مشكلة السودان الرئيسية هذه لا توجد وسيلة لحلها إلا الحرب “بكل أسف”
وذلك لأنها من المشاكل الوجودية وفى بروتوكلات كل الدول (حتي الإمبريالية) فإن الجهاد فيها فرض عين والعالم فى هذا الزمان أصبح لا يستمع الإ للقوي الذي يملك السلاح,
وكل الوسائل الأخري من مفاوضات وغيره تدخل في بند سياسيات الإلهاء التي تتحكم الإمبريالية العالمية بكل وسائلها
وسوف تستخدمها وتكون إمتدادا لتنفيذ المخطط وتنفيذ مشروعها لإستغلال موارد السودان شئنا أم أبينا (أم وعينا)
خاصة وأنه بدأ التحول الآن وتدريجيا نحو استخدام القوة الخشنة من خلال مشروع قرار البند السابع والذي فشل بنية روسيا والصين بإستخدام الفيتو
وحاليا يخطط لبديل عن طريق فرض حظر طيران يفقد الجيش ميزته التفضيلية في الميدان وإنشاء مناطق آمنة ب
حجة حماية المدنيين ودعيت تقدم لتقدم هذا المقترح في الأيام الماضية في إنجلترا لان هذا المخطط يحتاج إلى مدنيين
ومن ناحية أخرى فقد ظللت أقول أن سودان ما بعد الحرب لن يكون إطلاقا كما قبله وذلك لأن هذه الحرب سوف تؤدي الي إعادة إنتاج السودان بشكل جديد
وهذه العملية قد بدات بالفعل وقاربت لنسبة تنفيذ حوالي 50% (مرحلة اللاعودة)
وذلك إن علمنا إن عمليات التحول الشامل تمر بمرحلتين مرحلة الفوضى التي تقضي علي كل الإنظمة علي مستوي البلد
وعلي كل العادات علي مستوي الإفراد وتُخرج الجميع من مرحلة الراحة أو الألفة (comfort zone) وتجعلهم يجربون ويتعاملون مع أنظمة وأشياء جديدة فى حياتهم
وهذا حادث الآن, تعقب هذه المرحلة مرحلة إعادة النظام وهنا تكمن المشكلة للكثرين بسبب إن النظام الجديد سوف يكون نظاماً مختلفاً تماماً عن سابقه وهو الذي سوف يشكل السودان الجديد بإذن الله.
قال الله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/ 216.