عاجل نيوز
عاجل نيوز

د . التجاني عبدالقادر الصفقة الكبيرة الخاسرة فى ملف السودان (7-7) | الانفكاك عن الدعم السريع 1/2

عاجل نيوز

 

 

 

 

كما توجد أحياناً في الأدب الروائي “قصة داخل القصة”، فكذلك قد توجد في السياسة قصة داخل القصة، وحرب داخل الحرب.

 

ولعله قد اتضح من المقالات السابقة أن هناك حرباً إقليمية-دولية كبيرة تدور في السودان، وفى داخل هذه الحرب تدور حروب أخري.

 

فمن ناحية الحرب الكبرى يتضح أن السودان قد صار واحداً من ميادين الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة، وهي حرب تحولت في نظر بعض المراقبين من مجال الأيديولوجيا والجغرافية السياسية (the geo-politics) إلى مجال الجغرافيا الاقتصادية (the geo-economics).

 

أي أن التغلغل الروسي في أفريقيا (بحثاً عن الذهب والمعادن في مقابل القمح والوقود والسلاح)، والتموضع على ساحل البحر الأحمر شرقاً والصحراء الليبية غرباً سيقابله توجه مضاد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وبعض الدول الأوربية (خاصة بريطانيا وفرنسا).

 

وما الرهان على الفريق حميدتى، والإصرار على تحويل قوات الدعم السريع إلى قوة عسكرية حاكمة في السودان إلا جزءاً من خطة الهجوم المضاد، وهي بلا ريب حرب داخل تلك الحرب الكبرى.

ولكن السرد السابق للأحداث وضح أيضاً أن رهان مجموعة الأربعة على الفريق حميدتى وعلى قوات الدعم السريع لم يحقق أهدافه.

فرغم أن الفريق حميدتى استطاع أن يلعب دور الشخصية “الظرفية” الفاعلة في تحريك الأحداث وفق الخطة المرسومة له، ورغم ما توفر له من قوة عسكرية ومن غطاء اقليمي ودولي إلا أن محاولاته باءت بالفشل لأربعة أسباب لم تكن متوقعة.

أول تلك الأسباب هو الخروج المبكر للفريق حميدتى من ساحة المعركة ومن كابينة القيادة (حتى أن ممثلي الدول الكبرى الداعمة لم يتمكنوا من التواصل معه).

والسبب الثاني هو الحضور الفعال للفريق البرهان في موضع القيادة العسكرية والسياسية؛ وثالث الأسباب هو تماسك القوات المسلحة السودانية وعدم حدوث انشقاقات فيها (كما كان متوقعاً)؛

أما السبب الأخير فهو استعادة القوات المسلحة لمطار مروي، فانقطعت بذلك فرصة أن تتلقى قوات الدعم السريع عن طريق الجو امدادات عسكرية عاجلة من الدول الراعية-كما كانت تتوقع.

هذا الفشل العسكري المبكر لخطة الانقلاب السريع الخاطف قاد إلى الفشل الأكبر حينما سعت قوات الدعم السريع إلى تحويل المسألة من انقلاب محدود ضد قيادة القوات المسلحة وعناصر النظام السابق إلى حرب شاملة ضد أفراد الشعب السوداني-

 

احتلالاً لمنازلهم، ونهباً لممتلكاتهم، وتهجيرا قسرياً لهم. وبإزاء هذا الوضع بدأت بعض عناصر مجموعة الأربعة تعدل في خطتها الأولى وفى خطابها، وتستبدلها بما يمكن أن يسمى استراتيجية “الانفكاك المتدرج”؛

أي ترك مسافة بينها وبين ما تقوم به قوات الدعم السريع من فظائع (دون أن تتخلى عن أهدافها تماماً)، وأن ترفع شعار حماية المدنيين وتوصيل الإغاثة إلى اللاجئين عن طريق الحوار بين الجنرالين.

فبرز في هذا السياق مؤتمر جدة الاستثنائي (3 مايو 2023)، برعاية سعودية-أمريكية (مع توارى الامارات وبريطانيا). ومع أن المؤتمر لم يشأ أن يوجه-في بيانه الختامي-إدانة للفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، إلا أنه أكد أن النزاع في السودان شأن داخلي، وحذر من التدخلات الخارجية، وأكد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة، كما أكد على حتمية الحوار السياسي. )1)

ويلاحظ أن الالتزامات التي وردت في الإعلان الصادر عن المؤتمر ينصب معظمها على أمور تقع على عاتق قوات الدعم السريع، مثل ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والسماح للمدنيين بمغادرة مناطق القتال، والامتناع عن الاستحواذ على المرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن النهب والسلب. (2)

 

اللافت أن المؤتمر لم يضع آليات عملية لإجبار أي من الطرفين على تنفيذ ما التزم به، أما الامارات وبريطانيا فلم يبديا اهتماماً بمخرجاته ولا بآليات تنفيذه، مما يشير إلى أن نوعاً من الخلاف ربما يكون قد بدأ يطل داخل الرباعية.

ثم اشتدت فظائع الدعم السريع، وتعالت أصوات الاحتجاج، فاضطرت الرباعية إلى الحديث مرة أخرى عن أهمية الحوار. وبما أن الحوار يحتاج إلى طرف ثان مقابل للقوات المسلحة، فلابد من البحث عن شخصية “ظرفية” أخرى أكثر مقبولية لتحل مكان الفريق حميدتى- الذي صارت قيمته السياسية والعسكرية تتضاءل بوتيرة متصاعدة.

وفى هذا السياق يمكن أن يفهم الظهور المفاجئ (في 26 أكتوبر 2023) لتنسيقية القوى الديموقراطية التقدمية (تقدم) لتحل مكان قوى الحرية والتغيير (قحت)، التي- هي أيضاً- قد فقدت قيمتها السياسية.

ولم يكن مستغرباً أن تكون الشخصية “الظرفية” الجديدة هي د. حمدوك، وأن تقدمه صحيفة الشرق الأوسط في صورة المنقذ الذي يقود جبهة مدنية سودانية لوقف الحرب، بعد أن فشلت الجبهة العسكرية التي كان يقودها الفريق حميدتى) (3).

على أن مجموعة الأربعة لم تلجأ إلى استراتيجية “الانفكاك المتدرج” رأفة بالشعب السوداني، أو رغبة في التحول الديموقراطي، أو تخل عن أهدافها الأساسية، ولكن هناك عوامل أخرى كثيرة ألجأتها لذلك.

من تلك العوامل: ارتفاع الأصوات المنددة بالانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع حيثما زحفت، والأضرار التي أوقعتها على المدنيين، إذ شردت ما لا يقل عن ستة ملايين منهم،

وقتلت ما لا يقل عن 15 ألف، علاوة على أن ما مارست من قتل ونهب وتدمير قد بلغ حداً لم يكن في مقدور وسائل الاعلام والمنظمات الدولية لحقوق الانسان السكوت عليه.

 

وكانت حادثة اغتيال الوالي خميس عبد الله ابّكر والى غرب دارفور في 14 يونيو 2023، والتمثيل بجثته على مرأى من العالم بداية لموجة التذمر العالمي، فبدأت المفوضية السامية لحقوق الانسان تدين الجريمة،

وبدأت الأمم المتحدة تدعو للتحقيق، مما اضطر وزير الخارجية الأمريكي أن يعلن أنه- استناداً على مراجعة دقيقة للحقائق وتحليل قانوني- قد خلص إلى أن أفراداً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قد ارتكبوا جرائم حرب.(4)

 

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.