عاجل نيوز
درج بعض أنصار مليشيا الدعم السريع من القوى السياسية على وصف الحرب الدائرة بين مليشيا الدعم السريع والشعب السوداني. (وليس الجيش) بالحرب العبثية.
ولنبرر أولا توصيفنا للحرب بأنها حرب الدعم السريع على الشعب لا الجيش.
لقد بَقِيَ أكثر المواطنين في بيوتهم خلال أول أيام الحرب إذ ظنوا أن الحرب هي بين المليشيا والجيش، فتصوّروا أن الدعامة سيتوجهون لمهاجمة الجيش “حصريا” في معسكراته وليس لمهاجمة المواطنين في بيوتهم.
لكن الدعم السريع اتجه مباشرة للمنازل فأخرج سكانها ونهب تحت التهديد والضرب والقتل أموالهم ومدخراتهم.
وحينها أدرك السكان أنهم الهدف لا الجيش، وبينما ظل الجيش متخندقا في معسكراته ظلت المليشيا تهاجم المدن والقرى التي لا وجود للجيش فيها أو له وجود في معسكر بعيد، ظلت تهاجم فتنهب وتقتل وتغتصب وتفعل ما يعرفه كل الشعب جيدا.
وعلى أي حال تبدو محاولة شرح أن حرب المليشيا استهدفت المواطن محاولة لا حاجة لها إذ هي مما عرفه الشعب بضرورة التجربة المُرة والمعايشة لأفاعيل الدعم السريع في كل مدينة أو قرية دخلها.
وبالعودة إلى حقيقة صِفة العبثية التي يُصر أنصار المليشيا على وصف الحرب بها فلنعرف أولا مدلول كلمة العبث لنرى إن كانت تنطبق على حربنا أم لا.
العبث هو كل عمل لا هدف من ورائه، لذا قال تعالى: (أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ.) أي خلقناكم بلا هدف ولا فائدة. فهل هذه الحرب بلا أهداف ولا يرجو خائضوها فوائد من ورائها؟
إنني أزعم أنه بالنظر لأهداف الطرفين من الحرب فلا حرب أكبر أهدافا من هذه الحرب الدائرة في السودان.
فبالنسبة للمليشيا فإن أهداف مُحَرّكيها (لأن المليشيا مجرد أداة فلن ننسب الأهداف لها) تتعلق بمحاور عدة،
فبالنسبة للمحرِّك والمموِّل المباشر وهو دولة الإمار ات فإن هدفها هو تأمين اقتصادها القائم على مورد ناضب هو النفط، إذ بمجرد نضوب هذا المورد –
وهو سينضب لا محالة- فإن الإمارات ستعود مجددا لاستخراج اللؤلؤ وممارسة القرصنة،
لذا فإن الإما رات تريد استثمار مال النفط في بناء نفوذ على نطاق واسع مستهدفةً أفريقيا مقتديةً في ذلك ببريطانيا التي بنت إمبراطورية أكبر من حجمها بكثير
واستعبدت الشعوب التي احتلت أراضيها وعاشت على ريع ما نهبته من مستعمراتها حول العالم.
وإن كانت بريطانيا قد بنت نفوذها على تفوقها العسكري فإن الإما رات تظن أنها يمكن أن تبني إمبراطوريتها على تفوقها المالي المتمثل في فوائض البترودولار.
إذن فإن الحرب بالنسبة للدويلة ليست حربا عبثية بل لها فيها أهدافٌ استراتيجية ترقى لأن تكون وجودية.
وليست الدويلة هي الضالع الوحيد في حرب السودان بل هناك أمريكا وإسرائيل،
وإن كان تدخلهما أقل وضوحا من الدويلة وسنجملهما معا فهما في حقيقة الأمر وحدة واحدة. فهاتان الدولتان ظل تفتيت السودان وعدم السماح له بالاستفادة من موارده
هدفا استراتيجيا ثابتا لهما لم يتغير بتَغَيُّر الأنظمة التي حكمت السودان عبر تاريخه الحديث. وهو الهدف الذي وضعته مراكز الدراسات التابعة للاستخبارات في كلا البلدين
وصنفته هدفا ضروريا يجب السعي نحوه بثبات ومثابرة، وهو ما ظلت الدولتان تقومان به عبر تاريخ السودان الحديث.
ولذا فالحرب الحالية هي واحدة من خوادم هذا الهدف بالنسبة لهذه الدول فلا عبثية فيها على الإطلاق،
بل هي حرب المرجو منها أن تخدم أهداف التفتيت ونشر الفوضى الخلاقة التي يطيب في ظلها نهب الموارد وتكبيل الشعوب واستعبادها.
أما بالنسبة للقوى السياسية التي تصف هذه الحرب بالعبثية وأعني بها قوى ما يسمى بتقدم (قحت سابقا) فإن هدفهم من الحرب سبق وأعلنوه قبل نشوبها
حين صرح عدد منهم بما معناه: الإطاري أو الحرب. فالحرب جاءت في إطار فرض الاتفاق الإطاري بالقوة.
والإطاري هو ذلك الاتفاق الذي اتفق فيه قحت وحميدتي على تبادل منافع تمثلت في توفير قحت الغطاء السياسي للدعم السريع و10 سنوات كحد أدنى
خارج مظلة الجيش بحيث يصبح في نهاية السنوات العشر قوة أكبر من الجيش،
مقابل أن يوفر الدعم السريع حماية مسلحة لقحت تضمن لها البقاء في السلطة بلا انتخابات وفرض دكتاتورية حزبية طويلة الأمد حيث اقترحوا عشر إلى خمس عشرة سنة لحكمهم المسنود ببندقية حميدتي.
إذن فقد كانت الحرب يوم نشبت ذات معنى وهدف، ولكنهم اليوم يصفونها بالعبثية لأنها لم تسر كما توقعوا،
لم تكن حرب اليوم الواحد التي يتغلب فيها حميدتي بالضربة القاضية على جيش البلاد بعد أسر وقتل قادته،
وهو المخطط الذي فشل في الساعات الأولى من اندلاع الحرب. لقد خرج الأمر عن سيطرة حليفهم العسكري ووجدوا أنفسهم في هذا الموقف الذي لا يحسدون عليه.
وما يهمنا هنا أن الحرب ل(قحت) ليست عبثية على الإطلاق، فهم لا زالوا يحلمون بأن يُهزم الجيش ليضمنوا العودة لسدة الحكم، الأمر الذي يعلمون أنه لن يحدث إذا انتصر الجيش.
إنهم لا ينشدون السلام في ذاته كما يزعمون، فإن الجيش لو انتصر اليوم وفرض السلام فلن يفرحوا بذلك، بل سيظلون يشككون -كما يفعلون الآن-
في انتصارات الجيش ويظلون يحاولون نفخ الروح في جسد الدعم السريع ليحارب لهم حربهم حتى الوصول لأهدافهم التي يعلمون تماما أن وصولهم إليها رهين بانتصار الدعم السريع.
إذن فلا أحد من داعمي المليشيا ومحركيها إلا وله أهداف ومرامي مِن وراء هذه الحرب، فلا عبثية فيها لأي منهم.
أما بالنسبة للشعب السوداني المنكوب الوحيد والمستهدف الرئيس بهذه الحرب نهبا وتهجيرا وتشريدا واغتصابا فإن هذا الشعب -ومِن ورائه جيشه الوطني-
لم يخُض حربا أعظم هدفا منها ولا أكثر عدالة، فبالرغم من أن هذه الحرب قد فُرضت على الشعب -والجيش- فلم يختار زمانها ولا مكانها
فقد بدأها الدعم السريع باحتلال مطار مروي في ١٣ ابريل ٢٣، وأكمل اعتداءه بمفاجأة قادة الجيش بالهجوم على منازلهم فجر 15 أبريل 2023
بغرض اغتيالهم مبكرا أملا في نصر سريع ونجاح حاسم لانقلابه، أقول بالرغم من ذلك فإن الشعب السوداني ومِن ورائه جيشه خاض هذه الحرب وهو يعلم أنها حرب وجود لا مجال لخسارتها.
لقد وعى الشعب أنه على المستوى السياسي لن توجد دولة سودانية إذا ما انتصر محركو الدعم السريع، إذ هدفهم الحقيقي من الحرب هو تذويب ومحو الدولة السودانية
من الوجود ومن ثم السيطرة على الأرض والسكان، وعلى المستوى الشخصي فَهِم الشعب أن هزيمة الجيش تعني فقدان الناس لبيوتهم وممتلكاتهم للأبد. وتبخر حلم العودة للديار.
إن الشعب السوداني الذي اتحد خلف جيشه بقوة مدهشة إنما يدفعه لذلك تشبثه بأرضه ووطنه وأمله في مستقبل لا يكون فيه أي وجود للمليشيا التي قتلته ونهبته وهجرته واغتصبت حرائره.
خلاصة الأمر هذه الحرب حافلة بالأهداف والمرامي لكل من يخوضها سواء بالأصالة عن نفسه وهو الجيش والشعب السوداني أو بالوكالة بمرتزقته وكلاب صيده
وهو معلوم، فهي أبعد شي عن أن تكون عبثية، بل هي حرب يدافع فيها كل طرف عن مصالحه الاستراتيجية وسيكون النصر فيها -بإذن الله- حليف أصحاب الأرض المدافعين عن وجودهم لا المعتدين الطامعين.