عاجل نيوز
عاجل نيوز

ماذا بعد تحرير الخرطوم 4

عاجل نيوز

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في كثير من الأحيان نعيش عزلة ذهنية تُبقينا في “المنطقة العمياء” حيث تتشكل آراؤنا وفق تصورات مسبقة لا تخضع للمراجعة أو النقد، واللحظة التاريخية التي نحن فيها في أعقاب تحرير الخرطوم،

 

 

 

 

تجعل أنه أصبح لزامًا علينا الخروج من دوائرنا الفكرية المغلقة، والتخلص من أسر الأفكار التي كبّلتنا أثناء الحرب، لننظر إلى الأمور من زوايا جديدة بمنطق الدولة لا بمنطق المعركة، لإعادة بناء السودان،

 

 

 

ولذلك لا بد من تجاوز البارادايم الذي استهلك أفكارنا، والذي جعلنا أسرى للاستقطاب الحاد بين الثنائيات: يمين ويسار، كوز وثورجي، مدني وعسكري،

 

 

 

 

هذه الثنائية تضعف قدرتنا على التفكير النقدي وتُبقي الوطن في حالة شلل مستمر في حين أن الدول تُبنى على تنوع الأفكار لا على محاولات إقصاء الآخر،

 

 

 

 

ومن هذا المنطلق أعتقد أنه آن الأوان لنُدرك أن مستقبل السودان لن يُحدد وفقًا لأيديولوجيا واحدة، بل من خلال التقاء تيارات فكرية متباينة ضمن مشروع وطني جامع.

 

 

 

 

على صعيد آخر، الموروث الذي نعتز به في حين أنه غرس فينا ثقافة تُكرس للعصبية والتمحور حول الذات،

 

 

 

 

هذا الموروث يجب أن يفكك و يجب أن يغير، فكثير من أمثالنا الشعبية تعزز الانعزال والتفرقة، مثل: “جلدا ما جلدك جر فيهو الشوك” و “بلدًا ما بلدك أمشي فيها عريان” و “أنا وأخوي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب”،

 

 

 

 

هذه العبارات تعكس لا مبالاة تجاه الصالح العام، بينما تحتاج بلادنا إلى ثقافة تقوم على التعاون والتضامن الوطني، لا يمكننا بناء دولة حديثة إن لم نُرسخ فكرة أن الوطن ملك للجميع، وأن حماية مصالحه تتطلب تضحيات مشتركة لا حسابات فردية.

 

 

 

 

أيضا من الملاحظ أن هناك تهاون في التعامل مع الرموز والقضايا السياسية، هذا التهاون في القضايا الوطنية يُضعف الدولة ويفتح الباب للفوضى،

 

 

 

الحياد السلبي واللامبالاة تجاه القضايا الوطنية يُشجعان على الفساد والتدخلات الخارجية، لا بد أن يتبنى الجميع مبدأ المسؤولية المشتركة، حيث يصبح الدفاع عن سيادة السودان وحماية مؤسساته التزامًا أخلاقيًا وقيميًا، وليس مجرد خيار سياسي.

 

 

 

 

ومن الملاحظ أيضا تفشي ظاهرة الإحباط والاستغراق في العاطفة السلبية، التغيير يتطلب عقلية إيجابية تتعامل مع الواقع بوعي،

 

 

 

لا بالاستسلام لمشاعر الغضب واليأس، السودان بحاجة إلى شباب يدركون أن إعادة البناء عملية طويلة تتطلب الصبر والمثابرة، لا الانسحاب والانعزال.

 

 

 

هنالك غياب لساحات التواصل الحقيقي بين الإتجاهات المختلفة وهذا ولد إنغلاق فكري هيمن على بعض النخب السياسية، وهذا أول شئ يجب أن ينتهي،

 

 

 

بلادنا تحتاج إلى منابر فكرية حقيقية وساحات حوار مفتوحة تستوعب الجميع، علينا أن نُشجع النقاشات الموضوعية بدلاً من السجالات العقيمة التي تستند إلى التخوين والتشكيك في النوايا.

 

 

 

 

كسودانيون نحن نفتخر بتاريخنا الحضاري، لكن علينا أن ندرك أن الحضارات، إن لم تتجدد، تتحول إلى هياكل بلا روح، الحضارة ليست مجرد أمجاد ماضية،

 

 

 

 

بل مسؤولية تُحتّم علينا الابتكار والتجديد، كما أن امتلاك الموارد الطبيعية لا يكفي للنهوض، إذ أن النجاح يرتبط بحسن إدارة هذه الموارد وتوجيهها نحو مشاريع مستدامة.

 

 

 

 

وإذا سعينا للإصلاح فينبغي علينا أن نعلم أن السودان يحتاج إلى حلول محلية نابعة من خصوصياته،

 

 

 

لا إلى نسخ تجارب خارجية دون مراعاة سياقه الخاص، الدول لا تُبنى بالشعارات، بل بالعمل المؤسسي القائم على التخطيط السليم،

 

 

 

لا يمكن الركون إلى أيديولوجيا بعينها لحل جميع مشاكلنا، بل يجب أن ننظر إلى عوامل متعددة، منها الموقع الجغرافي، الطبيعة الاجتماعية، المناخ، والموارد المتاحة.

 

 

 

 

كل ماسبق نفهم منه أن إعادة الإعمار لا تعني فقط إصلاح البنية التحتية، بل تتطلب إعادة هندسة المؤسسات الوطنية لتعمل وفق رؤية الدولة،

 

 

 

وليس وفق منطق الصراع، لا بد من هيكلة مؤسسات الحكم والإدارة العامة على أساس الكفاءة والاستقلالية بعيدًا عن المحاصصات الحزبية والجهوية، مع ضمان الشفافية والمحاسبة.

 

 

 

 

ختاما، الخروج من “المنطقة العمياء” ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية لبناء السودان، علينا أن نتحرر من الانقسامات المصطنعة، ونُعيد تعريف علاقتنا بالوطن كمسؤولية جماعية تتطلب الانفتاح الفكري والعمل المشترك،

 

 

 

لا نحتاج إلى تكرار أخطاء الماضي، بل إلى شجاعة النظر إلى الواقع كما هو، والانطلاق منه لصياغة مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة.

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.