عاجل نيوز
عاجل نيوز

لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد | جرائم الجنجويد

عاجل نيوز

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عندما إرتكب قابيل بن سيدنا آدم عليه السلام أول جريمة قتل وذلك بسبب ما يعتمل النفس البشرية من غِلٍّ وحِقد وحسد ، نقمًا على من يتفوق عليها أو يتجاوز، ويقع هذا في أحوال النفس البشرية ( *المتوحشة* ) بمعنى غير المروّضة بالأخلاق والقيّم غير الممسوكة بقيود الدين والكوابح المانعة للإنزلاق في دروب الهوى.

 

 

 

 

يذكر القرآن الكريم أن قابيل وهابيل قّدما قربانًا لله تعالى نذرًا لأمرٍ طلباه فأكلت نار القبول قُربان هابيل لأنه أنفق مما يُحب ( *خروفًا سمينًا* ) ونيّة خالصة،

 

 

 

 

أما قابيل فغشّ في القُربان، وتيمّم النفقة من الخبيث من زرعه، فضلاً عن سوء طويته، وكذلك قِيل في حقهما أن نزاعًا وقع بسبب الزواج من توأم قابيل حيثُ إقتضت شرائع يومئذ أن يتزوج كُل واحدٍ توأم أخيه وليس توأمه، والله أعلم،

 

 

 

 

هذه الواقعة حدثت في جبل قسيون قرب مدينة دمشق، وقِيل في سهل البقاع في لبنان، وقِيل في جبل حراء بمكة، وقِيل غيرها من الأماكن، إلا أنّ الشاهد بعد تنفيذ جريمة القتل، وقف القاتل خاسرًا، كما قال تعالى: ( *فأصبح من الخاسرين* ) خسران الإخاء، وإستحقاق العقاب، وخسران المعيّة ( *الأب والأخوات* ).

 

 

 

 

ذكر بعض المفسّرين أنه ظلَّ يحمل جثّة أخيه على ظهره، يهيم بها، ويعتصره الأسى، وإمتنع عن الطعام، حتى بعث الله له غُرابًا يعلّمه كيف يصنع بجثة أخيه،

 

 

 

 

فقرع نفسه ولامها، وإستحقرها، كيف لا تُدرك كيفية مواراة جثة أخيه الثرى، كما فعل الغراب الذي بلّغه الرسالة، وأفهمه الأمر بلغة ( *البيان العملي* ) وإعتصره الندم، كما قال تعالى: ( *فأصبح من النادمين* ) وهُنا مكمن القصة، القاتل الأول محاصر نفسيًا ما بين الإحساس بالخسران، والندم.

 

 

 

 

فما بالُ الجنجويد يقتلون ولا يعتريهم الإحساس بالخسران، ولا يساورهم الندم على فعلتهم، ولذلك يصعب الوصف التفصيلي لما يدور في ( *غور النفس الجنجويدية* ) ولإدارك كنهها،

 

 

 

 

وإستكشاف العلّة التي إستعصت على كل ما استودع الله سبحانه الخلائق من رحمة، يُطعم بها الطير الجارح صغاره، وينقل بها السبع جراءه بين أنيابه ولا يؤذيهم.

 

 

 

 

لم تدخر الذاكرة الإنسانية أبدًا والله هذا المقدار من القسوة، إذ تروي ألسنة الناجين من معسكرات الموت والتعذيب تروي قصصًا مروّعة ،

 

 

 

 

تنمّ عن إصرارٍ وإتفاق من العقل الجمعي للجنجويد ( *إن كان لهم عقول* ) يتفقون على نمطٍ واحد من العدوانية المفرطة، وغير المسبّبة، لأنه لا تجمعهم بالأسرى والمعتقلين سوابق معرفة، ولا بيّنات فعل يستحق هذا الإفراط في العقاب والتعذيب.

 

 

 

 

يمنعونهم الطعام، والشراب، والإغتسال، وقضاء الحاجة، والصلاة، والتواصل مع الأهل ( *إلا في حالات الإبتزاز لتحويل الأموال رأفةً بحال الولي* )

 

 

 

 

يقتلون دون تردّد، ولأتفه الأسباب، ينسجون التهم ( *كوز* ، فلول* ، *جيش* ، *إستخبارات* ) .

كلّما دخلت القوات المسلحة موقعًا تكشّفت أهوال ما تركه هؤلاء من جرائم بشعة، ملأوا الأرض بالمقابر الجماعية في قرّي، وشارع عبيد ختم،

 

 

 

وكُل الساحات، والميادين، والأزقّة، والطُرقات، جعلوها مدافن لأجساد ضحاياهم، ركموهم في الحُفر، والمجاري، والسبتك تانك، والآبار، والترع،

 

 

 

والبيّارات، والأنهار، كلّها جعلوها مواضع للتخلص من الضحايا، لم يعرفوا ( *لغة الغراب* ) ولم يفهموا مغزى ( *ولقد كرّمنا بني آدم* ).

 

 

 

إن مقدار ما صبّه هؤلاء المجرمين من العذاب في جسد الشعب السوداني ( *عدا القحاطة* ) ستبقى آثاره دهرًا طويلاً، وتخلّد ندوبه كالوشم في الجلد،

 

 

 

 

ستُذكر المآقي التي حفظت تفاصيل وجوه الجنجويد القاسية وخلجاتهم وهم يتفاعلون مع الإثارة والتلذذ بإرتكاب المشين من الأفعال مع الضعفاء والعزّل والنساء اللائي عانين من خدش الحياء وهُن ربات الخدور العفيفات.

 

 

 

 

 

يذهب بعض علماء الإجتماع أنّ الإجرام ( *فطرة أو مكوّن خَلقي* ) بمعنى قصور أو خلل في مستوى الإدراك، والسيطرة على الغرائز، وبعضهم يردها للمسبّبات الظاهرة، ولكن علماء النفس والإجتماع السلوكي، وعلماء الدين،

 

 

 

 

مدعوون للنظر في طبائع هؤلاء الجنجويد ومعرفة وتشخيص العلل النفسية الدالة على كل هذه القسوة فيهم، والعدوانية عندهم، والوحشية في سلوكهم، وعدم وجود أيّ من ممسكات الأخلاق،

 

 

 

 

وضوابط السلوك الذاتي في مكونهم النفسي، وإنعدام الإحساس بأثر الجرائم الرجعي ( *خوف العواقب في الدنيا والآخرة* ) وعدم الإكتراث بالمآلات، وهم يرون بأعينهم مقدار كراهية الشعب لهم، ومقت أعمالهم، والتربّص بهم متى ما سنحت الفرص،

 

 

 

ويقفز التساؤل هل كل هذا الجهد الجبّار الذي بذلوه في التنقّل والسفر، وممارسة القتل والنهب، والإغتصاب، هل هناك ( *غاية أو هدف* ) يتفق مع هذه الأساليب، ليصل بهم جميعًا ( *قيادة وقاعدة وحاضنة سياسية* ) يصل بهم إلى محطة محددة، ووصفة كاملة للمراد والمطلوب.

 

 

 

 

بالتأكيد الإجابة بالنفي، لأنه ليس من مشروع سياسي أو أخلاقي أو إصلاحي أو ثوري، أو ديني أو حتى عنصري، يقتضي ما فعله الجنجويد بأهل السودان.

 

 

 

 

إن عظام الأسرى البارزة بسبب التجويع ستبقى وصمةً في تاريخهم المخزي، دخلت المرأة النار في ( *قطة* ) حبستها لا هي أطعمتها، ولا جعلتها تأكل من خشاش الأرض، إن آلاف الأسرى ذهبوا لله بسبب الجوع والعطش والمرض والحرمان يشكون لله ظلم الجنجويد.

 

 

 

 

إن النصر العزيز الذي تحقّق بفضل الله تعالى ثم القوات المسلحة وكل قوات الإسناد بمختلف مسميّاتها، قد عمق الإحساس بالفرح الغامر لدى الشعب، فإجتاحت الناس ما يشبه ( *الهستيريا* ) فمن بغني يذكر خليلاً

 

 

 

 

ومن بيبكي ماضي جميلاً

ومن بيعبد وقد طال ليلاً

كما قال شاعر الذكريات محمد عوض الكريم القرشي.

 

 

 

 

والسعادة تملأ الجوانح بهزيمة الجنجويد،

وإذلالهم ، والأمل القضاء المبرم على هذا الوباء.

أكُف الدعاء ضارعةً لرب العالمين بقبول شهداء معركة الكرامة وبتعزيز نصر الجيش العظيم.

والله اكبر والعزة للسودان

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.