عاجل نيوز
عاجل نيوز

من ياتو ناحية ❓️

عاجل نيوز

 

 

 

 

 

د. محمد عبدالعاطي عبدالله المكى
تاملت اسباب فشلنا ولاحظت انه في كل مرة يقرر فيها السودانيون القيام بثورة، انقلاب، إصلاح، أو حتى تعديل بسيط في نشرة الأخبار، اننا ننسى أمرًا بسيطًا لكنه خطير: التغيير الثقافى أو النهضة الثقافيه العلميه.

 

 

 

 

التغيير السياسي دون تغيير ثقافي يشبه تمامًا أن تستبدل محرك سيارتك المتآكل بمحرك طائرة نفاثة وأنت لم تتعلم حتى قيادة دراجة هوائية

أو ان تشترك فى القنوات الرياضيه وتشترى تي شيرت رياضى وتكتفى بمشاهدة المباريات وقزقزة اللب وتدعى إنك رياضى دون ان تقوم باى تمرين.

 

 

 

 

 

كم من دولٍ أطاحت بأنظمتها الفاسدة، ثم اكتشفت أن الفساد لم يكن في الأشخاص بل في العقول؟ الثورات الكبرى في التاريخ مثل الثورة الفرنسية التي ألهمت العالم الحرية والمساواة والإخاء، فقبل أن يقطع الثوار رأس لويس السادس عشر، كانت رؤوس المفكرين قد أضاءت عقول الناس لعقود.

 

 

 

 

فولتير وروسو ومونتسكيو لم يكونوا مجرد كتّاب، بل كانوا مهندسي التغيير الحقيقي. لم تبدأ الثورة بالمقصلة، بل بدأت في الكتب والمقاهي والحوارات، وحين تغيّرت الأفكار، سقطت العروش كأوراق الخريف.

 

 

 

 

خذ عندك قصة بني إسرائيل، عندما أنقذهم موسى عليه السلام من فرعون، ظنّ الجميع أن الحرية قادمة على طبق من ذهب، لكن المفاجأة كانت أنهم – رغم معجزات البحر وانهيار الفرعون – قالوا لموسى بعدها مباشرة: “اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة!”، وكأن العبودية لم تكن في السلاسل، بل في العقول.

 

 

 

 

هل كان التيه رحلة ثقافية طويلة في الصحراء لأربعين عامًا حتى تتغير الأجيال، وتُخلق ثقافة جديدة قادرة على حمل المشروع الجديد؟.

 

 

 

 

 و النبي الاعظم محمد ﷺ حين بُعث لم يبدأ بإعلان دستور جديد فورًا، بل قضى ثلاث عشرة سنة في مكة يصنع ثقافة التوحيد والأخلاق قبل أن يقيم دولة في المدينة.

 

 

 

 

فالتغيير السياسي الذي جاء بعد ذلك كان نتيجة طبيعية لتغير الناس من الداخل. فالإسلام – وهو أعظم تغيير شهدته جزيرة العرب – لم يبدأ بغزوات وسيوف، بل بدأ بكلمة “اقرأ”.

 

 

 

 

ثلاث عشرة سنة في مكة كانت تغييرًا ثقافيًا بامتياز، إعدادًا فكريًا ونفسيًا لمجتمع جديد، وعندما هاجر النبي إلى المدينة، وجد رجالًا ونساءً مستعدين لحمل الفكرة، لا مجرد أشخاص يبحثون عن حاكم جديد.

 

 

 

 

وإذا كنت من هواة الأدب، فاقرأ مسرحية “عدو الشعب” لهنريك إبسن، حيث يكتشف الدكتور ستوكمان أن مياه المدينة ملوثة، فيحاول إصلاح الأمر، لكن الناس أنفسهم يرفضونه لأنه كشف لهم حقيقة لا يريدون مواجهتها. هنا السؤال: هل المشكلة في الحكام فقط، أم في الثقافة التي صنعتهم وصنعوها؟

 

 

 

 

 

و أدبنا العربي لم يكن بعيدًا عن هذه الفكرة، فشخصيات مثل المتنبي في الشعر وابن خلدون في الفكر تحدثوا عن أهمية بناء العقل قبل تغيير الواقع.

 

 

 

 

وإلا، فماذا يفيد أن تضع على رأس بلد جاهل دستورًا ديمقراطيًا لا يفقهون فيه إلا اسمه؟ وما معنى ان تنادى بالمدنيه ولا تفقه فيها إلا رسمها؟ أو للحرية وانت لا تفرق بينها والفوضى؟

 

 

 

 

انت كمن يعطي طفلًا صغيرًا مفاتيح سيارة فيراري فتكون النتيجة الحتمية كارثة على الطريق.
عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد،

 

 

 

أكد أن الاستبداد السياسي لا يُهدم إلا بنهضة فكرية وثقافية تُحرر العقول قبل أن تُغير الحكام. مشيرًا إلى أن التغيير السياسي بلا وعي سيعيد إنتاج الاستبداد. طه حسين شدد على أن التقدم لا يكون بتغيير الحكومات،

 

 

 

 

بل بالاستثمار في التعليم والثقافة. دعا إلى الاقتداء بأوروبا التي سبقت نهضتها السياسية نهضة فكرية ومعرفية. توفيق الحكيم في أعماله المسرحية مثل السلطان الحائر، ناقش فكرة أن الحكم العادل لا يُبنى بالقوة ولا حتى بالقوانين وحدها، بل يحتاج إلى شعب واعٍ ومثقف يستطيع فهم العدل وتطبيقه.

 

 

 

 

 

كل هؤلاء وغيرهم أدركوا أن التغيير السياسي الذي لا تسبقه نهضة ثقافية سيظل مجرد تبديل أسماء ووجوه في السلطة، بينما يبقى الاستبداد والجهل على حالهما وتحدثوا عن ضرورة النهضة الثقافية قبل أي تغيير سياسي.

 

 

 

المشكلة أننا نحب القفز فوق المراحل، نريد تغيير الحكومات قبل أن نغير عقلياتنا، نريد الحرية قبل أن نفهم مسؤولياتها، نطالب بالعدالة ونحن أول من يكسر القوانين حين لا تناسبنا! لهذا، لا عجب أن الثورات كثيرًا ما تتحول إلى كوابيس وحروب، لأننا لم نهيئ أنفسنا ثقافيًا لاستيعاب ما طالبنا به سياسيًا.

 

 

 

القضية ببساطة أن أي إصلاح سياسي بلا إصلاح ثقافي هو مجرد تبديل وجوه. إذا قبل أن تطالب بتغيير النظام، اسأل نفسك: هل تغيرت أنت؟ هل تغير مجتمعك؟

 

 

 

 

 

هل لديك ثقافة بديلة أم أنك فقط تريد تغيير الوجوه بنفس العقلية القديمة؟ التغيير الحقيقي لا يبدأ في القصور الرئاسية، بل في العقول والبيوت والمجتمعات. وإلا فكل ما سنحصل عليه هو تغيير اليافطة على نفس البناء المتهالك!
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.